حرب الريف والعالم ـ 7 ـ : الحزب الشيوعي الفرنسي يدعم الخطابي
حرب الريف والعالم ـ 7 ـ : الحزب الشيوعي الفرنسي يدعم الخطابي
الجمعة 02 يونيو 2017 -
سلسلة مقالات يومية يسلط من خلالها الدكتور الطيب
بوتبقالت الأضواء على صفحات مجيدة من تاريخ المغرب المعاصر؛ ويتعلق الأمر
هنا بالأصداء العالمية التي خلفتها حرب الريف (1921-1926) عبر ردود الفعل
المتضاربة والمواقف المتناقضة التي سجلتها الصحافة الدولية إبان هذه الفترة
العصيبة التي تعرضت فيها حرية وكرامة المغاربة للانتهاك السافر والإهانة
النكراء.لقد برهن أبناء الريف عبر انتفاضتهم البطولية في مواجهة العدوان الاستعماري الغاشم عن تشبثهم الدائم بمقومات الهوية الثقافية المغربية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، وعن فخرهم واعتزازهم بالانتماء الحضاري إلى مغرب مستقل ذي سيادة غير قابلة للمساومة.
إن أبناء الريف، بشهادة كل مكونات الرأي العام الدولي في هذه الفترة التاريخية ما بين الحربين، أعطوا دليلا قاطعا من خلال دفاعهم المستميت عن الحرية والكرامة أن المغرب بلد يسكنه شعب أصيل لا يرضخ أبدا للذل والهوان مهما كلفه ذلك من ثمن.
مساندة الحزب الشيوعي الفرنسي للمقاومة الريفية
في مطلع العشرينيات من القرن الماضي، كانت فرنسا إمبراطورية كولونيالية مترامية الأطراف. وكنتيجة لتجربتها الاستعمارية الواسعة، تولدت لديها قناعة بأنها أصبحت في مأمن من كل تغيير راديكالي ومفاجئ لمجرى الأحداث يجعلها تفقد زمام الأمور. وفعلا كان إحساسها شبه راسخ بعدم قدرة أي مقاومة ذات طابع محلي على إحداث زعزعة جذرية للأسس التي بنت عليها إمبراطوريتها الكولونيالية.
كما أدى الترويج الصاخب والتكرار المتواصل لفكرة "رسالة فرنسا الحضارية" إلى نوع من التنويم المغناطيسي للرأي العام الفرنسي الذي نجحت أطروحات الدعاية الرسمية في دفن يقظته. وهي أطروحات كانت تدافع عن مشروعية الحملات العسكرية وعن جدوى العمل الكولونيالي على المديين البعيد والمتوسط، في الوقت نفسه الذي كانت تقلل فيه من حدة الصعوبات التي كان الفرنسيون يواجهونها في مستعمراتهم. وكان الخطاب الدعائي الاستعماري يصف هذه الصعوبات بالعابرة، ويؤكد على أنه لا بد من حد أدنى من التضحيات لتحقيق ما حققته، وما تطمح إلى تحقيقه، فرنسا في ظل سياسة توسعها الكولونيالي.
وإذا كان الرأي العام في إسبانيا يتابع بقلق شديد تطورات حرب الريف منذ سنين، وخصوصا منذ معركة أنوال، فإن الشارع الفرنسي يكاد يجهل تماما كل شيء عن الحركة الريفية حتى مستهل عام 1925. وسرعان ما تبين له أن المقاومة الريفية ليست كما دأبت الدعاية الاستعمارية على وصفه مجرد "بارود شرف" اعتادت القبائل المغربية المحاصرة على القيام به قبل استسلامها للأمر الواقع.
ويرجع الفضل الكبير في تحريك الرأي العام الفرنسي إلى الدور الحاسم والفعال الذي لعبه الحزب الشيوعي الفرنسي في مساندته للثورة الريفية. لقد كانت حملاته قائمة على مناهضة الامبريالية العالمية والتنديد القوي والصريح بالاستعمار الفرنسي على مستويين: النهج السياسي والممارسة الفعلية. وكانت تحركاته ومظاهراته يطبعها العمل النضالي الملتزم والحس الثوري الملتهب.
وإنه لمن السذاجة بمكان الاعتقاد بأن موقف الحزب الشيوعي الفرنسي من الريف كان حبا في الريفيين أو تقديرا لهم بالدرجة الأولى. لقد كان قبل كل شيء تعبيرا عن مبدأ إيديولوجي من أجل إثبات الذات السياسية للحزب. وبعبارة أخرى، فإن ما كان الريف يعطيه من فرص سانحة للتعبير عن وجود الحزب وتنمية نفوذه كتنظيم ظهر حديثا على المسرح السياسي الفرنسي، أكثر مما كان يبذله الحزب في الدفاع عن الريفيين: لقد وفرت القضية الريفية الظروف الملائمة لتمكين هذا الحزب من ممارسة العمل السياسي الملتزم في إطار تنظيم شيوعي حديث النشأة، يبحث عن موقع له داخل حلبة الصراع السياسي بفرنسا.
ومن جهة أخرى، كانت هذه فرصة سانحة بالنسبة للشيوعيين الفرنسيين لكسب تقدير موسكو بصفتها القلب النابض للمد الشيوعي العالمي. ومعلوم أنه كان على أي حزب شيوعي ينتمي إلى بلد له مستعمرات، الالتزام بمقتضيات المادة الثامنة من القانون التأسيسي للأممية الشيوعية كشرط أساسي من شروط العضوية، وهو ما كان يحتم عليه تعبئة كل قواه ضد الاستعمار والإمبريالية، ويلزمه بمساندة الشعوب التي تعاني من القمع والاستغلال من جراء زحف جنود الرأسمالية وجشع البورجوازية.
أعلنت فرنسا عبر مختلف أبواقها الدعائية أنها ستقوم بتنظيم حملة عسكرية ضد الريفيين. وكتبت صحيفة "ليرنوفيل"، لسان حال وفاق اليسار، يوم 11 يونيو 1925: "لم يعد الأمر يتعلق بإعادة ما قام به شارل مرتيل في حقول بواتيه، وإنما هذه المرة في سهول ورغة، على سفوح مرتفعات الريف". ويمكن تحديد بداية الحملة الشيوعية الفرنسية ضد حرب الريف في النصف الثاني من سنة 1924.
ويبدو أن مندوبي الحزب الشيوعي الفرنسي الذين شاركوا في المؤتمر الخامس للأممية الشيوعية (المنعقد بموسكو من 25 يونيو إلى 3 يوليو 1924)، قد عبروا رسميا عن التزامهم بالقيام بعمل سياسي فعال ضد الامبريالية الفرنسية بالمغرب. وكان زينوفيف، رئيس الأممية الشيوعية، في غاية الوضوح عند تطرقه للمسألة الكولونيالية حيث قال: "فقط الخونة والجبناء هم الذين يهملون الدفاع عن حق الشعوب المضطهدة في تقرير مصيرها، وهو الدفاع الذي يجب أن يستمر حتى يتحقق تحرير هذه الشعوب من قوى الاضطهاد".
وفي 12 شتنبر 1924، كتبت "ليمانيتيه"، جريدة الحزب الشيوعي الفرنسي، "لقد استطاع عبد الكريم أن يهزم طرفا من أطراف الامبريالية". وأرسلت قيادة الحزب، في اليوم نفسه، برقية إلى هيرويو، رئيس الوزراء، تقول فيها: "يجب الجلاء عن المنطقة الفرنسية بالمغرب وإعطاء المغاربة حريتهم". كما تم إرسال برقية أخرى إلى عبد الكريم لتهنئته على فوزه النهائي على الإسبان، وتشجيعه على مواصلة الكفاح ضد كل أطراف الإمبريالية الأخرى، بما فيها فرنسا، إلى أن يتحقق تحرير التراب المغربي. عبرت كذلك البرقية عن استعداد البروليتاريا الفرنسية والأوروبية على مساعدة الزعيم الريفي.
وهكذا، فكلما اتضحت سياسة فرنسا في تدخلها عسكريا في منطقة الريف، توطد عزم الحزب الشيوعي الفرنسي على الوقوف ضد هذا المشروع الكولونيالي. ولما تم الإعلان عن العمليات العسكرية الفرنسية-الإسبانية المشتركة، كان الحزب الشيوعي الفرنسي على أتم استعداد لتعبئة عناصره وتحسيس الرأي العام الفرنسي بخطورة أحداث المغرب التي يدفع ثمنها أبناء الطبقة المحرومة من الشعب الفرنسي من عمال ومزارعين. وقد بدا واضحا أن الحزب الشيوعي الفرنسي قد أوشك على تحقيق الانفراد بموقف سياسي في تباين متزايد مع موقف التيار الاشتراكي من حيث الصرامة في تعامله مع المسألة الكولونيالية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق